لمسة عمري

إلى المتألمين و الخائفين من الموت
إلى العابرين في مرحلة المرض و الشقاء…
ستعرفون اليوم قصة الرجاء بعد الشتاء
و الدعاء قبل الدواء

أحتفالات في منطقة الجليل في فلسطين و المسؤلون عن المنطقة بعثوا بدليل ليعرف ما سببها 
و عند وصوله إلى بيت المحتفلين عرف ان قصة شفاء قد حصلت…
لمسة عمري هي قصة واقعية حصلت منذ ٢٠٠٠ الفي عام نقصّها بتصرّف،
فالحدث يوم الشفاء هو واقعي
شخصية المرأة “رجاء” واقعية
اما الشخصيات الاخرى فهي خيالية…

حاكم ولاية الجليل في فلسطين مولاي أغريباس جلالِتكم أُقدّم لكَم إحترامي
ومن خلالكم أُرسلُ كلّ التقدير للوالي البنطي والي منطقتنا المعيّن من قبل القيصر الأعظم طيباريوس، حفظكم الله.
تحيةً من خادمكم المرسَل إلى منطقة الجليل في فلسطين للتحقيق في قضيّة المدعوّة رجاء. وبتواضعٍ أبعثُ لكم برسالتي الموثَّقة بمقابلاتٍ أجريتُها مع أفرادِ عائلتِها، وبعد أن أجريتُ مقابلاتي أؤكّد لكم مولاي إن ما سمعناه عن الإحتفال الكبير الذي يُحكى عنه في باقي المناطق ليس هو في بيتها فقط، بل في منطقتها وبين أقربائها، وكي لا أبالغ فقد عرَفتُ البيت من بعيد من صوت الإحتفال قبل أن أصلَ إليه مع معاوني.
في هذه الرسالة أوثقت لكم أربع مقابلاتٍ، ثلاثةً مع المقرّبين منها، وواحدةً مع رجاء شخصياً.
طلبت من المعاون أن لا يسمح لأحدٍ بفتحها إن لم توافقوا أنتم اولاً حيث أنَ المكتوب هنا قد سمعتُه شخصياً وأنا بكامل وعيي ومسؤول عن كل كلمة، وأؤكِّد أنها تابعةً لأصحابها بلا حذفٍ أو تغييرٍ.

المقابلة الأولى: والدة رجاء

أُصيبَتْ رجاء بِمرضٍ أصعب من الحمّى، نزيف في الدم. فحالتها قد أَذْهَلَتْ الأطبّاء عند الكشفِ عليها وسماع قصّتها، فمنهُم من حاول واستطاع وقف النزف أيّاماً متقطِّعةً، ومنهُم من ادّعى المعرفة وجرّب عليها معلوماته وعلّم تلامذَتَه.
صارت رجاء حقلَ تجاربٍ في أيّامهم وأيّام طلاّبهم من بعدهِم، والكلّ فشلوا في معرفة مُصابِها بل مصيبتي، فهذه حبيبتي، إبنتي.
أقولُ لكَ إنّ الأطبّاء بلباسهم الأبيض وقلبهم الأبيض تشعُّ عيونهم عند شفاءِ مرضاهم، وتشعُّ أكثر عند رؤيةِ أوراقِ مرضاهم الخضراء والملوّنة…
نزفَنا نحنُ كعائلة مادياً ومعنوياً مع نزيفها الجسديّ، مرضٌ أصابها منذ أن بلغت سنّ الأنوثة وما إن تركها حتى عاودها ولازمها، وتلاشى معه حلم الزواج الذي طالما حَلُمَت أن تلبس ما أخيطه لها وهو فستانٌ تلبَسه كل عروسٍ، وأمُّها تلبسه معها في خيالها مرات عديدة.
حاولنا أنّ نرهنَ ما نملكه من ممتلكاتٍ تركها لنا جدّيها لمعالجتِها، وبعد مدّة رهنتُ جواهري والحليّ، ثم قررّنا أن نبيع كل ما نملك بالمزاد مع بقيّة الأغراض علّنا نحصد أوراقاً خضراء وملوّنة لندفع للأطباء فنتابع العلاج بآخر الإكتشافات الطبيّة ولكن بلا جدوى، ولا شفاء.

خلال رحلة الشفاء كنت أصلّي كثيرا وسهرتُ ليالٍ طويلة بعد أن فقدتُ الأملَ من الأطبّاء، ودعيتُ لإلهي الواحد أن يشفيها ولكنه لم يستجبْ لي من أوّل مرّةٍ حيث أنّ رب العالمين هو ورقتنا الأخيرة نحن البشر ولا نحاول الصلاة قبل الدواء أو معه بل بعده. إن الإيمانَ الحقيقي بما لا يرى هو أقوى من الإيمان بالأشياء الملموسة! وهذا ما لمسته بعد إثنتي عشر عاماً.
قبل رحلة الشفاء وفي لحظةٍ، تخلّيتُ عن إيماني بالله الواحد الأحد واستعرتُ آلهة الشعوب فأطعتَها وفعلتُ ما اقتنعتُ بهِ، وما كان في الماضي بالنسبة لي خُرافاتٍ وحكاياتٍ صار أملاً تعلّقتُ به لأكتشف قوّة آلهتهم كما قرأتُ عنها في كُتبِهم، بعضها إنتصر وبعضها هُزِم، الآلهة القويّة هي الآلهة المُخيفة التي لا نفهمَها فنخاف منها… وبينهم آلهة الطبيعة، كيف استطاعت أن تفيض نهراً أو أن تطفأُ شمساً!
اسمح لي أن لا تُخبر رجاء عن ما فعلته من أجلِها، صلواتي ومعاهداتي…، فهي لا تؤمن بقوّة الطبيعة كإله يشفي بل هي تُحبّها كمخلوق مثلَنا فيها روح ولها قوة لكن كطبيعة فقط. اليوم وبعد إيمانِها تُصرّ أكثر من قبل أن الطبيعة خُلقت في ستّة أيّام وأنّ خالقَها استراح في اليوم السابع، وأنا أوافقها حيث أن إيمانها مكتوبٌ في شريعتِنا التي أؤمنُ بها أصلاً أنّها ستبقى دستوراً إلى الأبد، وشكراً.

المقابلة الثانية : شقيق رجاء

تسألُني عن رجاء؟ هي أوّلُ إمرأةٍ في حياتي، معها عرفتُ الفرق بين آدم وحوّاء، وإن فكر الله عن العائلة الكاملة هو رجلٌ وإمرأة إجتمعا في بيت واحد وصارا جسداً واحداً. هكذا كانت تعلّمني شقيقتي عندما كانت تقرأ من كُتب النبي موسى(ع) الخمسة الموجودة في التوراة الشريفة وكُتب الأنبياء الأوّلين(ع)، وكانت تقولُ لي “سيأتي يوماً وتترك بيتَ أبيكَ وأمّك” هكذا مكتوبٌ… “لتسكن مع زوجتك وتُصبحا جسداً واحدا” وأنا ما كنت أحبُّ أن أتركَ بيت أبي لأني ما تعوّدتُ أن أذهب إلى أبعد من منطقتنا، وسادني إعتقاد أن المتزوّجين يجب أن يرحلوا بعيدا وبعيدا جداً..
وصلّيت أن لا أتزوّج أنا ولا تتزوّج هي لانّي أحبّها، لكن اسْتُجيبت صلواتي لأختي فما تزوّجت بل أُصيبت بمرضٍ وأي مرض! واعتقدتُ لسنواتٍ عدّة أنني سبب مرضها ودعيتُ كلّ ليلة…”إرحمني يا رب وسامحني لأني كنت سبباً في شقاء حبيبتي…”.
رجاء أحبّت أن تتعلّم أمّا أنا فاتّجهتُ أكثر إلى التجارة والسوق وكان هدفي أن اطوّر أعمالَ العائلةِ. هي تصغَرُني بسنتين ويَصعُب نسيان مرضِها وصوت الأنين وما قاسته من ألمٍ، ألمٌ جسديّ ونفسيّ لها ولنا جميعا، وقد أنفقنا الكثير على الأطبّاء والدواء، كلّ ما نملكه من ميراث حيث أنّنا عمِلنا خارجاً بعد أن توقّف مصنعُ العائلةِ عن العملِ، وخصّصنا لها مبلغاً من المال كما فعل كلّ إخوتي، لتصرفَه على أشيائها الخاصة حيث أنّها لا تستطيع العمل ولا الخروج في معظمِ الأيّام، والغريب أن هذا الإهتمام المادي من قِبَلنا لها كان محطّ أنظار وحسد من الآخرين كما لو أن إنساناً يبصر يحسُدُ شخصاً ضريراً لأنّه يملك عصاً ذهبيّة! ولا يشكر الله تعالى على نعمة البصر! وكم تمنّيت لو كان باستطاعتي أن أُقايض كلّ أموالِ العالم مقابلَ صحّتها. وأعلمْ أن مرضها في شريعتنا كان عارٌ عليها وهذا أصعب من ألمِها! أن تنزُفَ ليلَ نهارْ، أن تكون غير طاهرة . هذا ما كان يجعلني تعِساً، وكم تمنّيتُ الموتَ عند التفكير بمشكلتِها بل مشكلتنا.
ماذا أُخبِركَ عن رجاء توأم روحي؟ فهي متواضعة ومحبوبة من كلّ الأقارب ولكن لم يمنعْهم كبرياءهم أن يهمسوا لبعضِهم البعض، ويحذّروا بعضهم بعدم الإقتراب منها كي لا يتنجّسوا أو تنتقل العدوى من مرضها! وكما تعلم ليس في النزيف من عدوى، وما أكثر مرضى الجهلِ
حولنا! وكم كنتُ أخاف أن تنتقلَ لي ولأختي عدوى الجهل، ويتنجّس قلبي في كلّ مرّة أفكّرُ فيها بهم! أعتذرُ منكَ عن عدوانيتي في كلامي، ولكنّ هذا ما كنت أشعر به من قبل.
ليس الكلّ يسكنهم شيطان الجهل والغرور، فبالرغمِ من عدمِ قدومِ الناس لخدمتِنا اليوم بعد أن كنّا أصحابَ جاهٍ ومال، أنظر كيف هم يخدموننا بمحبةٍ وبلا مقابلْ، وما زالت الفتيات صديقات شقيقتي، والرجال أصدقاء والديّ والعائلات التي عاشت في قصرنا في السابق يأتون من قرى مجاورة ويتمنّون لو يعودوا ليعملوا لدينا… ويهنؤون رجاء بمعجزة الشفاء التي حصلت لها.
انظرْ كيف يلامسونها يداً بيد! اليس رائعاً أن لا يتنجّسوا ؟
في السابق كانوا بعد ملامستها إن اضطّروا، يتطهرونَ ويغسلونَ أنفسهم الغسول اللازمة التي أوصانا بها الله عز وجل في كتابه الشريف، وهو التطهّر بعد لمسِ شخصٍ نجسٍ حتى نحن أفراد العائلة!
كنت أتساءل بيني وبين نفسي سؤالاً قالوا عنه أنه كُفرٌ ووَجَب أن أستغفِر الله العظيم وأتوب إليه… وهأنذا استغفرُه لأسألَ معك هنا” هل إن كانت النجسة شقيقتي ممنوعٌ عليَّ أن ألمَسَها؟ وإن لمستها أتطهّر في كلّ مرّة بالماء وأردّدُ العبارات التي تطهّرني؟ ماذا أقول؟ اللهّم طهّرني من نجاسة شقيقتي ومن دمِها؟ من عذابها وألمِها؟
كان الموضوع دائما يعذبّني ويقلقني جوابُه وأكثرَ من ذلك… ماذا تفعل والدتي؟ من حَملت شقيقتي في رحْمِها تسعة أشهر وولدتْ قطعةً من روحها، أتطلُبُ الطهارة من روحها من دمٍ هو دمُها لانّه يسيلُ مرَضاً ؟ ماذا يوجدُ في هذا الدمِ من نجاسةٍ عندما يسيل؟ أتعرف يا أخي، أشاركك هذا لعلك تجد لها جواباً عند المعلّمين.
“يا ربْ إجعل كلامي برْداً وسلاماً لأنه كالحربِ عندما يسمعه أيَ شخصٍ منهم، فكلّ مسؤول عن الشريعة سيُجيب بتكرار المكتوب من كلمات الشريعة التي لا يَفهمْ من روحِ الله تعالى ومن عطفِه ومن حنانِه ومن رحمتِه سوى كلماتٍ، واعلم أن رجاء ما زالت نجسةً في رأي بعض المشرّعين حيث أنّها شُفيتْ لكنّها ما تطهّرت بالماء والكلمات… وأهلا وسهلا بك.

المقابلة الثالثة: معلّمة رجاء

أتيتُ في اليوم الأوّلِ إلى قصرِهم وكنت أعلمُ مسبقاً بأنني سأعلِّم فتاةً ذكيّة، فأنا معلمة لغة وتاريخ، وبدأتْ رحلتي معها منذ طفولتها وصرنا أصدقاء مقرَّبين جدا حتى يومِنا هذا.
أكثر المواد التي أحبّتها وتميّزت بها هي الشريعة حيث درسنا التاريخ من خلالها، وكنا نتكلم كثيرا عن الشريعة التي تعلَّمْتُها من والدي خادم بيت العبادة الذي كان يتردد إليه كلّ شيوخ منطقتنا، كانت معجبةً جداً بعدّة شخصياتٍ في التوراة الشريفة كشخصية النبي أيّوب (ع)، وكم كان يصبّرها عندما تقرأ عن مرضِه ومعاناته وخسارته لما كان يملكُ من صحّة وأبناء وكيف عوّضه الله سبحانه بأحسنَ منها، والنبي دانيال(ع) الذي عملَ عند صديقه الملك داريوس، وبعد وشايةِ رجالاتُ البلاطِ عليه أنّه لم يركع للملك، وجَب وحسب المرسوم الصادر عن الملك، رمي كلَّ من يعارضِ المرسوم للأسود، وهكذا رُمِيَ دانيال(ع) في جبّ الأسود… ولا أنسى بريق عينيّها عندما تُكمِل القصة وتصلُ لمرحلة النبي دانيال(ع) وهو يأمرُ الأسودَ أن يغلقوا افواههم الجائعة بقوّةِ الله التي معهُ وفيه! وكيف آمن الملك داريوس بإلهِ دانيال (ع) والحمدلله.
وكانت دائما تعتبِرُ أنّ المرضَ كالأسد وأنّها ستنتصر عليه يوماً وتأمُرَه بأن يرحلَ عنها قبل أن يقتلها، ولكنَّ الأملَ لا يعيشُ بلا رجاء والأيمانُ قوتَه في الصلاة، والصلاةُ يسمعها إلهٌ حيٌّ.
هي تقول أنّه يسمعُها كما سمِع قبلها كل الأنبياء، كانت تشعرْ به ولا تعرف كيف تتحدّث إليه، كانت تقول لي دائما: “أشعرُ أنَّ حاجزاً يقفُ بيني وبين خالقي عند الصلاة وكأنّ شيئاً ما يحجبُني عنه .
يا معلّمتي كيفَ أستطيعُ أن أقفَ بين يديّ الله عزّ وجلّ وأشعرُ به كما تشعرُ الشجرةُ بالريحِ عندما تمرُّ بها؟ لا أريدُ أن أكونَ شجرةً في الأرضِ فقط ولا ريحاً تعصِفُ بي والله في السماءِ بيني وبينه كواكبَ وأقمار؟ بل كلما اقتربنا من السماء تبتعد عنّا؟”
أفكارٌ كثيرةٌ وأحلامٌ وصلواتٌ كنّا نتلوها معا وفتاتي الجميلة تنطق بكلماتها الشعريّة والفلسفيّة، أشعرُ معها أنّي أقرأُ أجملَ الكتبِ في كلّ مرّة، لكنْ في إحدى المراتِ سألتني سؤالا مُثيراً
ومقلقاً، جعلتني لا أنام حتى تحقَّق اليوم وشعرتُ بالريحِ تعصِفُ بها كشجرةٍ مثمرةٍ ريحٌ ناعمةٌ، شافية، تروي الزهورَ وتجدّدها، سألتني: ” يا معلّمتي تعوّدنا أن نعطي المال لمن يدقّ أبوابَنا، ولكن أتى نبيٌ قويّ اليوم يجوبُ المناطقَ ويقولُ (إذهبوا لمن يحتاج القوت فهو لن يأتي إلى بابكم)، وتعلّمتُ منكِ من كتاب الشريعةِ أن نحبّ من يُحبّ الله سبحانه، ونحاربُ أعداءَنا… لكنّ من أُخبركِ عنه، يخطُب في بيوت العبادة ويقول من على المنابر وفي كل مكانٍ أنّه سيكمِلُ الشريعةَ لتسمو وترتفعَ معها إنسانيّتنا فيقولُ لنا (أحبُّوا أعداءَكم ، باركوا لاعِنيكم… وأنّ الله تعالى يحبَّ أعداءَه )، فما رأيُكِ ؟
لا أُخفي عليكَ قلقي، خفت من جوابي الذي لن يُعجِبَ معظمَ أهلِ منطقتِنا ولعلّي أجعلُ والديها يطردونني من بيتِهم بعد أن كنت كإبنتهم، ماذا أقولُ لها وقد عرفتُ عمّن تتكلّم! فأنا أعرِفُ الشريعةَ وأعرفُ أنّ المسيحَ المنتظرْ هو النبيّ القويّ وأكثرَ من نبيّ… فهل أقولُ أن التوراة الشريفة تتكلّم عن مجيئه ؟ هي تعرِفُ هذا لكن ما لا تعرفه انه ها هو قد أتى!
فسألتُها: “من قال لكِ عنهُ وأخبرَكِ وأنت لا تخرجينَ ولا تقابلينَ أحداً؟”
قالتْ: بعضُ الزائراتِ من القرى المجاورة تتحدثُ عنه، بل كلُّ الناس تروي كيف انّه يملكُ قوّةً تشفي العمي وتطهر البرص… وبما انّي أفهمُ تلميحاتُها قبل أن تنطُقَ بها، فهمتُ أنّها أشعلتُ في قلبِها أملاً، أفرَحني وأحزَنني في آنٍ معاَ، فكيف يمكنُنا أن نأخذَها إلى المسيحِ والبلادُ بعيدة والقرى التي يزورَها لا نعرفُها ولا نسمعُ عن أخبارَه دائماً ؟ وفي لحظةٍ كان دعاءٌ بيني وبين رجاء

“اللهمّ أدعو السيد المسيح
يأتيني، وبلمسةٍ يشفيني
فيحرِّرني من عذابي ويُعطيني
عُمراً جديدا بلا ألمٍ ليتوقّفَ أنيني،
يا رحمَن يا ربَّ العالمينِ
إرحمني، ومن ماءِ الحياةِ إرويني
أسألُكَ الشفاءَ في كلّ حينِ”

وبعدَ أن تلَوْنا تلك الكلماتِ التي كانت بيني وبينَها كما الشعرُ قالتْ:
” لأولِ مرّةٍ أشعرُ أن الحاجزَ بيني وبين الله سبحانَه يصغُر، وأني أقرُب إليه أكثرَ من كلّ مرةٍ يا معلّمتي، فقد شعرتُ بجلالهِ أكثر”، وبرَقتْ عيناها كما أحِبُّ أن أراهما عند سماعِ قصصَ الأنبياءِ، وبعد صمتٍ عادتْ وسألتني مرة جديدة: “ما رأيُكِ ماذا أفعلُ لو كانَ صحيحاً أن المسيحَ السيّد هو من يجولُ ويشفي ؟ وكيف أصلُ إليه ؟ ”
قلتُ: “إنتظري الله سبحانَه ولا تمَلِّي ، ثمَ قلتُ لها: “أنا أصدّقُ انَّه هو من يتكلّمونَ عنه، هو المكتوبُ عنه، لكن يا صغيرتي انتظريه بصمتٍ ولا تتكلّمي، فالحكمةُ من اللهِ، ولو أتى إليكِ في يوم سيتكلّمُ عن نفسِه، وستعرِفين ذلك وستشعرين بالسلامِ عندما تتكلّمي”
والآن اسمحْ لي أن أكتفي بهذا القدَر عن ما حصل معنا، وأتركُ رجاء تتكلّمُ عن نفسِها.

المقابلة الرابعة: رجاء

كان بيتُنا علامةً فارقةً، فحتى الغريبُ عن البلدةِ إنتظرَ أقربائَه بعيداً عنا لئلا يصيبَه عدوى من مرضي، وكاد البعضُ يخافونَ من لمسِ البيتِ، فكان “النجسةُ ” هو لقَبي.
المعروفُ عن نزفِ الدمِ عند المرأةَ في شريعتِنا أنّه نجاسة، فكان واجِبّ عليّ الغسول والطهارة.
ولكن كيف أتطهَّر وأنا في نزيفٍ دائمٍ منذُ إثني عشر عاماً! أضعفُ وأتمنى الموتْ، ولولا إيماني أن قتل النفسِ معصيةً للرحمنْ فما كنت إنتظرتُ وتعالجتُ وتحلّيتُ بالصبرِ والسلوان.
وما ملكتُ سوى الإيمان الذي ضحِكَ منه الغرباء واحتارَ بأمرِهِ الأصدقاءْ وخاف منه الأطبّاءْ! كان إيماني فيه رجاءً كإسمي ملاصقٌ بي ليلَ نهارْ وهو أنّ النجاةَ ستأتي من عندِ الله بل هو الله سبحانَه. سمعتُ عن الآتي باسمِ الله تعالى يقولُ بما معناه “إن كنتم لا تصدّقونَ أني الآتي من عندِ الله فقط أنظروا أعمالي واسمعوا عنها”، فانتظرْتُه بعد أن فقدتُ الأملَ وهكذا كان …
ومن يقرأَني اليوم أقولُ له: ” أُطلبْه مثلي، آمنْ به فيشفيكَ “.
في البدايةِ كنتُ كالغرباءِ أضحكُ من هذه الشخصيةِ، ومن ثم كالأصدقاءِ إحترْتُ بها. وفي ذاتِ مساءْ طلبتُ من ربِّ العالمين أن يُعلنَ ليَ الشفاء النفسي قبل الجسدي، وأتذكرُ كلماتُ دعائي ” يا ربْ اشفي روحي ونفسي ثم اشفي جسدي…”
ذات يوم سمعتُ أن المسيح سيمرُّ من منطقتنا فحضّرتُ نفسي وأنا متعبةٌ من كلِّ شيءٍ إلاّ من أن أراه وأطلبْ شفائي منه. كنتُ متأكدَّة أنّه سيشفيني كما شفى رجلاً أعمى منذ ولادته، إنّها حقاً لمعجزة .
كنتُ أقرأُ كتابَ اللهِ بشغفٍ، أفهمُه بروحي وليس فقط بعقلي لأنّ عقلي لن ينتظرَ رجلاً من دمٍ ولحمٍ يقال عنه إبنُ الله وحاشا لله أن يكونَ له ولد! عقلي لن ينتظرَ لحماً ودماً يقال أنّه سيُصلَبْ ويتعذب عن البشريّةِ جمعاء! إنَّه لكلامٍ ليسَ بمقامِ نبيٍّ من الأنبياء الأوّلين ولا يرقى لعقلِ إنسان.
لكنّ روحي كانت تقرأُ مع عقلي وتقول له ” إقرأ ما بين الكلمات واقرأ كتبَ الأوّلين والتوراة والزبور مكتوبةً بوحيٍّ من الله ولا إله إلا هو وحدَه لا شريكَ لهُ، واقرأْ بإسمِ ربِّك الذي خلقَ الإنسان على صورتِه لأنّه يحبُّه وليس فقط ليعبدون…”
ونحن عائلة تعبدُ الله الواحد وتنتظرُ المسيح المخلِّصٍ وأنّه سيأتي مرَّتين، مرةً يولدُ ولادة إلهية وبمعجزةٍ من أمٍ بشريّة من روح الله تعالى، ومرّةً يعودُ عند القيامةِ لمحاسبةِ من لم يؤمنوا أنّه هو المخلّص، ومن لم يقبلْ عملَ التضحيةِ والفداءُ العظيم.
إن عملَ الفداءِ هذا هو أسمى الأعمال، الذي لو رفضْناه لرفضْنا كنزاً من كنوز الله المقدَّمة مجاناً من قبلِه لِدَينٍ نحنُ وضعناهُ على أنفسنا منذ أن تكبّر سيّدنا آدم(ع) وما طاع الله سبحانَه وأكلَ من الشجرةِ الممنوعةِ وورِثنا نحنُ أولاده المعصيةَ “عدم الطاعة” وكما نعرف أن آدم(ع) قد تاب لكنّه إحتاج ضحيةً أو فداءً للتكفيرِ عن المعصيةِ عندها ذبحَ الله سبحانه الكبش وألبَسه هو وحواءْ من جلدِه . فالكبشُ كان رمزاً ليُعلِّمنا ويُخبِرُنا عن الفداءِ العظيمْ.
هكذا تعلّمتْ روحي من كتابِ الله، فليس من المفروضِ أن تكونَ فقيهاً في الدِينْ لتفهمْ مشيئته، يكفي أن تقبلَ بالإيمانِ عملَ الفداء لتتطهر ليس بالماءِ بل بالدمِ الذي سالَ من الضحيّةِ.
يا سيدي الكريم، تغيّر مفهومي عن النجاسة، فلا ينجّسك أن تنزف دماً أو أن تلمُسَ ميْتاً. النجاسُة هي ان تملكَ قلباً شريراً وتقوم بأفعال شريرةً… ولا يكفي ماءَ العالم لتطهيركَ بل فقط إيمانُكَ يطهّركَ…
أما بالنسبةِ لليومِ الموعود الذي كنتُ أتوقُ أن أسمعَ عنه هو أن المسيح سيمّر من هنا… وما أن إنتشر الخبر، حتى بدأت الحشودُ تنتشرُ. الكلُّ يريدُ أن يرى من هو هذا الشخص العجيب، وغيرهم يريدُ أن يُشفى وآخرون يريدون أن يسألوه عن الشريعة، ومنهم من له إلهاً خاصاً ويغارُ من أيّ إلهٍ آخر يشفي غير إلهَه، فكيف لو كان شخصاً عادياً في المظهرِ؟
لو كنتَ أنتَ هنا لما إستعطتَ أن تدخلَ بين الحشدِ الغفير، عندما سمعتُ صوتَ الناسِ يصرخونَ ويتدافعون… كنتُ أنا ومعلّمتي في الساحة هناك، ولم أُخبر عائلتي فقد إعتقدوا اني في البيت، وفي لحظةِ مرورهِ خِلتُ أنّ من إنتظرتُه لن أراه، فكيف السبيلُ إليه بين الحشودِ.
وما أن ضاعَ حُلمي برؤياه حتى خرّت قدماي، فوقعتُ على الأرضِ متألمةً حزينةً وفي لحظةٍ شدّني إلى جهةٍ معيّنةٍ إحساسٌ قويّ لطالما شعرتُ به وهو إحساسُ الأملِ والرجاءْ وأنّه هو الطريق للخلاص…
وبينما أنا ساجدةٌ على الأ رضِ بدأتُ أزحفُ نحو ذلك الإحساس وكلّي إيمان أنّي سأصلُ إلى سيّدي قبل كلّ الجموع المتدافعة التي تصرخ… خُيِّلَ إليَّ أنّي سمعتُ صوتاً يقول: “تعالي إليّ يا متعبة، ويا ثقيلة الأحمال وأنا سأريحكِ…”، وصرتُ أسيرُ بإتّجاهه حتى وصلتُ إلى حيثُ يقفُ السيّد المسيح فرفعتُ رأسي، يا لروعتهُ! نورٌ من وجهه يسطعُ… كنت أرى ظهرَه لكني أحسستُ بنورٍ يحيطُه، يمشي متمهلٍ من كثرة الناس وحولَه حواريه أيّ تلامذتُه يحمونه من التدافع، وسرعان ما فكّرتُ ماذا أفعل؟ حيث أنّي لن أستطيع الوقوف ولن يسمع السيّد صوتي فلماذا لا ألمسه؟
ألمسُ ولو طرفَ ثوبَه فهو السيد المسيحّ فيه السلطان بل هو كلِّي السلطان، وهو وليُّ الرحمن وهو الرحمن وكلُّ ما آمنتُ به أكثر صدّقتُه ولمستُهُ… لقد كانت لمسةُ عمري لمسةً عرفتُ من خلالِها أنّي شُفيتُ، وفي الحال زالَ الألمُ وجفَّ ينبوعُ دمي، لقد لمستُ رحمتُه وعادت إليَّ روحي ترتجفُ فرَحاً وخشوعاً ولن أنسى تلك اللمسة.
وإذ بالسيّد المسيح يلتفتُ قائلاً : منْ لمسَني؟ لقد شعرتُ بقوةٍ خرجتْ منّي .
فَلَمَّا رَأَيتُ نفسي بأنني لم أستطع ان أختفي، جَئتُ مُرْتَعِدَةً وَخَررَتُ لَهُ، وَأَخْبَرَتُهُ قُدَّامَ جَمِيعِ الناس لأَيِّ سَبَبٍ لَمَسَتُهُ، وَكَيْفَ بَرِئْتُ فِي الْحَالِ. فَقَالَ لَي:
«ثِقِي يَا ابْنَةُ، إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ، اِذْهَبِي بِسَلاَمٍ».
أخي الكريم، هل تعلم من لمستُ أنا لمست المسيح وهو اليوم بالنسبة لي أكثر من نبيّ انّه:
إنّه المسيح في جسدِ إنسانٍ وأكثرَ من إنسان!
هو مولودٌ من إنسانٍ؟ هو من صارعَ وانتصرَ على الأكفان…
هو تحدّى الشيطان، وطوّق الأرض بالرحمةِ والحنان
هو المسيح الوليّ الرحمن!!
ما كان له موضعاً على الارضِ ليسنُد إليه رأسه،
بل صعد الجبال وسار في الوديان
حيث ذابت الثلوجُ ونامتْ مع الخرفانِ،
هو الراعي الصالح، مشى
في جداولٍ تروي الظمآنِ،
قالوا “هذا كُفرٌ”،
قلتُ: انظروا كيف تساوتْ رحمته
مع عدلِ الله بالميزانِ
من غيرُه بلمسةِ ثوبٍ يشفيني؟
من غيرُه أعطى النور للعميانِ؟
أُعلِنُ أنا “رجاء” وكلّي إيمان
باسم الله القدوس
أنّه المسيح الرحيم الرحمن

سيّدي حاكم الجليل ومنه إلى سمو الحاكم الأعلى والقيصر جلالتكم:
أقدّمُ لكم إستقالتي وأبعثُ لكم رسالتي هذه مع معاوني، وبإذنه تعالى قدّ تمّ التحقق من هذه المعجزة اليوم، ومن بعدِ إذنكم أطلبُ أن تسمحوا لي بأن أتبعْ السيّد المسيح وأكونُ داعيةً له. أنا قد أعلنتُ إيماني: ” أن المسيح هو وليّ الله وهو روحُ الله وكلمتُه ، فيه كلُّ الصفاتِ وهو واحدٌ في الذاتِ”، وباسمه أختمُ صلاتي.

النهاية

الطبعة الاولى
بنت الشرق
جميع حقوق الطبع محفوظة للمؤلفة
٢٠١٢ ©
نُشرَ بإذن من المؤلفة